عطية الصيرفي
جريدة البديل – 26 يونيو 2008
باعتباري عاملا يساريا فقد تأملت وتأملت أحوال مصر المعاصرة، مصر مبارك، مصر تحالف العسكر ورأس المال، وما جري فيها من أهوال تجعل الولدان شيبا، حيث الفقر، والقهر، والبطالة، والعنوسة، والجوع، والغلاء مما أدي إلي تفشي الصراع الطبقي وإضراباته ومظاهراته العمالية والشعبية بالإضافة إلي الاحتجاجات الفلاحية في الريف المصري.
ومن ثم أدركت سلطة العسكر ورأس المال خطورة الصراع الطبقي وإضراباته ومظاهراته، وثوراته العمالية، والفلاحية، والشعبية باعتباره القوة المحركة للتاريخ. وهذا ما دفعها إلي تغيير مساره الطبيعي وقصده الاجتماعي بحيث ارتد إلي أهله من عمال وفلاحين وعوام يمثلون القوي الكادحة والمنتجة الأكثر عدداً والأشد فقراً في مصر المعاصرة.
هذه القوي قد انقلبت علي نفسها في صراعات ونزاعات يشهدها يومياً القاع الاجتماعي المصري وتنتهي في أقسام الشرطة والمحاكم التي تنظر قرابة 15 مليون قضية سنوياً تعبر عن نزاعات منحرفة وغير سوية.
هكذا فعلت سلطة العسكر، ورأس المال، وهكذا تخيلت أنها أمنت وجودها الطبقي والطفيلي والسلطوي بتكبيل المارد الشعبي في أغلال همومه ونزاعاته وخصوماته التافهة جداً، حتى فوجئت بأن الصراع الطبقي قد صحح مساره وحدد قصده من خلال الاحتجاجات الديمقراطية في القاهرة والمدن الكبرى، والاحتجاجات الفلاحية في الريف المصري، والإضرابات والمظاهرات العمالية في المناطق العمالية والصناعية.
عندئذ أدركت سلطة العسكر ورأس المال أن الصراع الطبقي هو القوة المحركة للتاريخ مما دفع هذه السلطة الديكتاتورية إلي تفجير حقدها الطبقي وغضبها السلطوي في مواجهة إضرابات يوم 6 أبريل 2006 التي أدت إلي حدوث الانتفاضة العمالية والشعبية في مدينة المحلة مدينة الصراع الطبقي. حيث تصدت للجماهير العمالية والشعبية بعنف صارخ ومجنون بصدور الأمر للجنود الشبان والبسطاء بإطلاق النار...
نار طلقات رصاص الخرطوش علي وجوه المتظاهرين حتى تتبعثر علي الوجوه فتخلع العيون خلعاً وتؤدي إلي العمى بأمر سلطوي مجنون أدي إلي إصابة العديد من شباب عمال المحلة وأبنائها بالعمى، هذا العمى المتعمد كان بمثابة رسالة تحذيرية إلي القوي الوطنية واليسارية والعمالية والفلاحية المعارضة مفادها أن الصراع الطبقي والديمقراطي والشعبي سيواجه بصراع طبقي سلطوي بالرصاص المسنود بالطوارئ. ولكن هذه الرسالة التحذيرية سوف تذهب أدراج الرياح لأن صراع الطبقات الفقيرة والكادحة لم ولن يعتريه الأفول في الماضي والحاضر والمستقبل باعتباره رد فعل طبيعيا لاستغلال الإنسان للإنسان وظلم الإنسان للإنسان.
وللأسف فإن بعض شخصيات القوي الوطنية واليسارية رفضت الاشتراك في انتفاضة المحلة بذريعة أنها لم تستشر، ولم تحظ بالموافقة والمباركة! منهم هؤلاء الأفندية الذين يرفضون التحريض باعتباره مغامرة علماً بأن الثورة وأي ثورة هي مغامرة.
ومما يذكر أن كارل ماركس قد اعتبر ثورة عمال كوميونة باريس سنة 1871، التي قامت بها مجمل القوي العمالية والاشتراكية وقتئذ، مغامرة. ولكن سرعان ما تخلي عن هذا الرأي الخاطئ واحتضنها تماماً. كما أن الرفيق لينين قد ألزم الحزب الاشتراكي الروسي بالمشاركة في المغامرة التآمرية، مغامرة يوم الأحد الدامي التي دبرها القسيس القيصري الأب جابون بدعوته عمال روسيا بالقيام بمظاهرة سلمية ومطلبية تذهب إلي القصر القيصري يتقدمها حملة الأناجيل. وما إن اقتربت المظاهرة من القصر حتى فوجئ المتظاهرون العمال بإطلاق مدافع القصر عليهم فمات المئات من العمال الذين كان من بينهم أعضاء الحزب الاشتراكي الروسي.
وللأسف أيضاً فإن السادة الأفندية من مثقفي السلطة الذين أدانوا انتفاضة مدينة المحلة الأخيرة بذرائع مختلفة، فإن إدانتهم هذه قد طفحت من فزعهم من تصاعد الصراع الطبقي، مما سوف يؤدي إلي وقوع قارعة في مصر المعاصرة.. علماً بأن هؤلاء المثقفين السلطويين، وعلي رأسهم مبتدعو مقولة الشوارعيزم دعاة قانون الطوارئ واستمراره، قد غفلوا عن ظاهرة الصراع الطبقي بواسطة الجريمة التي تمارسها الرأسمالية الطفيلية الحاكمة والمالكة بفجر ووقاحة وانحطاط في مصر المعاصرة، من خلال الفساد الذي بات وباء سرطانياً. علماً بأن الصراع الطبقي بالجريمة قد عرفه العرب في الجاهلية والإسلام بواسطة غارات الشعراء الصعاليك المعروفين بذؤبان العرب ولصوص العرب الذين كانوا يسرقون الأغنياء دون الفقراء، مثل السليك والشنفري وتأبط شراً الظريف، والذين كانوا يحرضون شباب العرب علي الصراع الطبقي ضد الفقر بواسطة اللصوصية. حيث يقول الشاعر الصعلوك أبو النشناش، فلم أر مثل الفقر ضاجعه الفتي، ويقول سيد هؤلاء اللصوص عروة بن الورد قولته الاشتراكية الخالدة، أقسم جسمي في جسوم كثيرة بمعني أن كل ما يسرقه يوزعه علي الفقراء ولا يخصه إلا ما يكفي جسده تعبيراً عن اشتراكيته الفطرية.
ولقد تكررت هذه الظاهرة في إنجلترا بظهور عصابة روبين هود التي كانت تمارس الصراع الطبقي بسرقة الأغنياء لصالح الفقراء الإنجليز، كما تكررت أيضاً في مصر الحديثة من خلال نشاط عصابات أدهم الشرقاوي والخط، وابن بمبه وغيرها، بالإضافة إلي نشاط اللص الشريف حافظ نجيب.
ذلك هو الصراع الطبقي الذي كان يحظي بالقبول من الفقراء رغم أنه قد تم بواسطة الجريمة التي كانت موجهة إلي الشبعى والأغنياء، بينما الصراع الطبقي بالجريمة هو جريمة الفساد الحالية الذي يتفشي في مصر المعاصرة مرفوض من الطبقات الأجيرة والفقيرة لأنه موجه ضد المصالح الحياتية والشعبية لهذه الطبقات،.وحتي الصراع الطبقي بالجريمة المسلحة الذي تزايد في هذه السنوات بهدف نهب الأرض والبنوك ومحلات الذهب وغيرها هو صراع مدان لانحرافه عن مساره، وهدفه ومضمونه الاجتماعي.
ومن ثم فإن مصر المعاصرة، مصر العسكر ورأس المال، في حاجة إلي تعظيم التحريض الثوري والشعبي حتى يتزايد صراع الطبقات الشعبية السوي والمطلوب.. حتى تحدث القارعة.. قارعة الثورة والتغيير التي سوف تأتينا بالخبز والحرية.
للدخول إلى الصفحة الرئيسية
Filed under: رأي | Leave a comment »